الأجهزة الرقمية القابلة للارتداء
أهميتها والدور الذي أصبحت تلعبه في إدارة صحتنا الشخصية
منحت الأجهزة الرقمية القابلة للارتداء الأفراد القدرة على اتخاذ قرارات أكثر دقة بشأن صحتهم بناءً على بياناتهم الخاصة، مما يوفر لمرتديها مزيداً من التحكم والقدرة على الاهتمام بصحتهم أكثر من أي وقت مضى.
حيث تستطيع هذه الأجهزة مثل الساعات والخواتم واللصقات والرقائق الالكترونية مراقبة أنشطة الجسم عن طريق مستشعرات تقرأ مؤشرات عديدة مثل درجة حرارة الجسم والضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
أما على مستوى القطاع الصحي فقد وفرت هذه الأجهزة الفرصة للوصول إلى بيانات المرضى للمساعدة في تسهيل الوقاية من خلال التشخيص المبكر للأمراض التي تهدد الحياة، وإدارة الحالات المزمنة بشكل أكثر كفاءة تتجاوز حدود إجراءات الرعاية الصحية التقليدية.1 هذه الإمكانيات تمنح الأجهزة القابلة للارتداء القدرة على تقديم فوائد عديدة للقطاع الصحي مثل تقليل التكاليف وتقديم خدمات رعاية صحية ذات قيمة وتقليل الفوارق في الصحة العامة، بالإضافة إلى جعل الرعاية الصحية أكثر تخصيصاً للمرضى.
استخدام الأجهزة القابلة للارتداء في ازدياد
على الصعيد العالمي فإن سوق الأجهزة القابلة للارتداء في نمو مستمر ومن المتوقع أن يصل حجم السوق العالمي للتكنولوجيا القابلة للارتداء إلى ١١٨.٢ مليار دولار أمريكي بحلول عام 2٢٠٢٨
وقد قدر حجم سوق هذه الأجهزة في المملكة العربية السعودية بنحو ٣٣٫٩ مليون دولار أمريكي في عام ٢٠٢٠ ومن المتوقع أن يصل إلى ٦٣٫٨١ مليون دولار أمريكي بحلول عام ٢٠٢٦.
يتزايد الطلب على الأجهزة القابلة للارتداء في المملكة من المواطنين والمقيمين وكذلك مقدمي الرعاية الصحية المهتمين بالبيانات للمراقبة عن بُعد.3
كما تحث البرامج الحكومية السكان على ممارسة المزيد من التمارين أثناء استخدامهم لهذه الأجهزة. ففي مارس ٢٠٢٠ أطلقت الحكومة السعودية عن طريق وزارة الرياضة واللجنة الأولمبية السعودية حملة «بيتك ناديك» والتي شجعت المواطنين على ممارسة التمارين في المنزل ومشاركة مقاطع الفيديو ومقاييس البيانات الصحية عبر الإنترنت. وقد حققت المبادرة نجاحاً ملوساً حيث شارك فيها ما يقارب أربعة ملايين شخص من جميع أنحاء البلاد.4
تعزيز الصحة الشخصية بمساعدة الأجهزة القابلة للارتداء
إن الأجهزة الحديثة القابلة للارتداء مثل ساعات آبل وفيتبيت وأجهزة جارمين وغيرها تساعد الأفراد على تتبع مؤشرات صحتهم الشخصية ومراقبتها وفهمها بشكل أفضل. فهي تقيس مستويات الحركة والنشاطات البدنية لمرتديها كذلك تتبين الوزن وعدد السعرات الحرارية المستهلكة، مستويات السكر في الدم وتقلبات معدل ضربات القلب وعدد النبضات بالإضافة لعدد ساعات النوم.
وجدت الأبحاث أن الأجهزة الشخصية القابلة للارتداء تزيد من مشاركة المريض في إدارة صحتهم العامة، مما يؤدي إلى نتائج إيجابية على صحتهم. فعلى سبيل المثال: إن مقياس بسيط مثل عداد الخطى قد أثر بشكل عام على زيادة النشاط البدني وانخفاض ضغط الدم ومؤشر كتلة الجسم لدى المستخدمين.
وأظهرت دراسات أخرى أن زيادة معدل الخطوات اليومي يؤثر على خفض معدلات عودة المرضى للمشافي وتقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية خاصةً مرضى جراحة القلب.5 كذلك أشارت نتائج إحدى الدراسات الأمريكية حول تقنية مراقبة المرضى عن بُعد بما في ذلك الأجهزة القابلة للارتداء إلى أن ٣٨٪ من المؤسسات العاملة في القطاع الصحي اعتبرت أن هذه الأجهزة مرتبطة ارتباطاً مباشراً بانخفاض حالات الدخول إلى المستشفى، وأشار ١٧٪ إلى أثرها الملحوظ في تقليل التكاليف.6
رفعت جائحة كوفيد -١٩ من القيمة التي تقدمها الأجهزة القابلة للارتداء. فبالرغم من أن شراؤها عادةً يتم لتحسين مقاييس اللياقة البدنية لكن بعض هذه الأجهزة يوفر للمستخدم القدرة على مراقبة مستويات تشبع الأكسجين في الدم والتي يمكن أن تكون مؤشراً مفيداً في تشخيص ومراقبة كوفيد -١٩.7
كما أن أحد البرامج التجريبية في الولايات المتحدة استخدمها بالفعل لمساعدة المرضى على التعافي من المرض. حيث يتم مراقبة العلامات الحيوية للمريض بشكل مستمر من خلال وضع مستشعر على الصدر وعن دما تشير البيانات إلى أن المريض بحاجة إلى الدعم يتدخل مقدمي الرعاية الصحية.8
إن مثل هذه الأنواع من البرامج توفر للقطاع الصحي طريقة لتقديم رعاية جيدة للمرضى دون المخاطرة بصحتهم وتخفيف الضغط على أجهزة المشافي في الوقت ذاته.
من الممكن أيضاً استخدام تطبيقات مماثلة لإدارة للأمراض المزمنة. فيمكن استخدام الأجهزة القابلة للارتداء وأجهزة الاستشعار وتطبيقات الهواتف الذكية وإدارة مرض السكري لتحسين النتائج الصحية.
إن أحد الأمثلة للأجهزة المبتكرة هو بنكرياس صناعي يمكن ارتداؤه لإدارة مرض السكري.9 وهو نظام مغلق الحلقة يتكون من جهاز مراقبة الجلوكوز القابل للارتداء ومضخة الأنسولين المزروعة. يراقب النظام باستمرار التغيرات في مستويات الجلوكوز ويوفر الأنسولين عند الحاجة ويساعد على ضمان بقاء جسم المريض مزيداً من الوقت ضمن مستويات سكر الدم الصحية.
أما بالنسبة لإدارة ارتفاع ضغط الدم فيمكن للأجهزة القابلة للارتداء اكتشاف الإشارات الفسيولوجية مثل ضغط الدم باستخدام مستشعرات ضغط الدم دون الحاجة لإسواره المعصم أو أجهزة مراقبة ضغط الدم اللاسلكية والتي توضع في أعلى الذراع. وتعمل الأجهزة القابلة للارتداء جنباً إلى جنب مع تطبيقات الهواتف الذكية المحمولة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين التحكم في ارتفاع ضغط الدم من خلال سهولة تسجيل قياسات ضغط الدم المتكررة إلى جانب الالتزام بالأدوية والتواصل بفعالية أكبر مع مقدمي الرعاية الصحية.10
الأجهزة القابلة للارتداء في العمل
أظهرت الدراسات أن الموظفين منفتحون على استخدام الأجهزة القابلة للارتداء فيما إذا كانت تساعدهم على أداء واجبات العمل بشكل أفضل أو زيادة الإنتاجية
توفر الأجهزة القابلة للارتداء في أماكن العمل فوائد في مجال تحسين النتائج الصحية والوقاية من المشكلات المتعلقة بالرعاية الصحية. وقد أظهرت الدراسات أن الموظفين منفتحون على استخدام الأجهزة القابلة للارتداء فيما إذا كانت ستساعدهم على أداء واجبات العمل بشكل أفضل أو زيادة الإنتاجية. كما أنهم يتقبلون فكرة استخدام الأجهزة القابلة للارتداء لتتبع المقاييس الصحية ومشاركة تلك البيانات مع أصحاب العمل.11
يمكن أن توفر الأجهزة القابلة للارتداء للموظفين بيانات مهمة عن مستويات الصحة والنشاط. فتبعاً لطبيعة بيئة العمل من الممكن استخدام هذه البيانات لإرسال تذكيراً للموظفين لأخذ فترات راحة منتظمة والابتعاد عن شاشاتهم أو النهوض من خلف مكاتبهم والتنقل خلال يوم العمل فهذه التشجيعات البسيطة تستطيع أن تحسن صحة الموظف بشكل عام.
كما أن هذه البيانات تمكن أصحاب العمل من تنفيذ برامج حوافز الصحة التي تكافئ الموظفين على تحقيق أهداف لياقة معينة – والتي يتم تتبعها بواسطة الأجهزة القابلة للارتداء – مثل عدد الخطوات ومعدل ضربات القلب المرتفعة خلال النشاط البدني، أو أنشطة الاسترخاء التي تساعد على تقليل التوتر.
شهدت فترة الوباء زيادة في استخدام الأجهزة القابلة للارتداء لتسهيل وتشجيع التباعد الاجتماعي. حيث يمكن أن تهتز المستشعرات التي تعمل بتقنية البلوتوث في الأساور أو الأربطة أو العلامات المثبتة أو تصدر ضوضاء لتنبيه العمال بأنهم قريبون جداً من أشخاص آخرين.12 الأمر الذي بوسعه أن يقلل من انتشار كوفيد -١٩ ويضمن ظروف عمل أكثر أماناً.
مع زيادة العمل الهجين والعمل عن بعد في حقبة ما بعد الجائحة يمكن للأجهزة تزويد أصحاب العمل برؤية مفيدة حول كيفية تقلب صحة الموظف وعافيته وأدائه في بيئات العمل المختلفة.
ونظراً لكون الأجهزة القابلة للارتداء تقدم معلومات خاصة وقيمة حول عادات عمل الموظفين ونمط حياتهم والمقاييس الصحية يتوجب على الشركات التنبه للمخاطر والعمل على الحد منها من أجل تنفيذ برامج الأجهزة القابلة للارتداء. وتشمل هذه الإجراءات الموافقة الواضحة من الموظفين وسياسات الخصوصية القوية وحماية البيانات القوية والتدريب لضمان أمان بيانات كل من الموظف والشركة.
مع الأجهزة القابلة للارتداء يمكن لأصحاب العمل تشجيع الأفراد على الاهتمام بصحتهم بشكل عام، الأمر الذي سيكون له آثار إيجابية على الأهداف الصحية العامة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
مستقبل الأجهزة القابلة للارتداء والرعاية الصحية
يؤدي الطلب المتزايد على الأجهزة القابلة للارتداء من الأفراد وقطاع الرعاية الصحية إلى زيادة الابتكار. فعلى سبيل المثال يمتلك كل من فيسبوك وأمازون أجهزة يمكن ارتداؤها قيد التطوير13 وتعمل فيتبيت على تصنيع خاتم لتتبع تشبع الأكسجين في الدم.14
ومن المتوقع قريباً توفر إمكانية دمج أجهزة طبية مثل خواتم الكشف عن نسبة السكر في الدم أو لصاقات تخطيط القلب في برامج الصحة المهنية في أماكن العمل. عبر استخدم البيانات المجهولة المصدر لإصدار التوصيات بالرعاية الوقائية للموظفين عند الضرورة وربما تطوير برامج صحية وقائية أو الحصول على مؤشرات المخاطر للمساعدة في تحديد الأمراض وإدارتها في وقت مبكر.
يعد استخدام الأجهزة القابلة للارتداء جنباً إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي مجالاً واعداً آخر لتحسين مستوى الرعاية الصحية. حيث قدمت إحدى الدراسات البحثية المحكمة نظام للتنبؤ بالنوبات مدعوماً بالذكاء الاصطناعي والذي يتضمن جهاز عصبي يمكن ارتداؤه. إنها البداية للوصول لنظام تحذير من النوبات يمكن ارتداؤه في الوقت الفعلي ودائم التشغيل ومخصص للمريض مع استهلاك منخفض للطاقة وأداء موثوق به على المدى الطويل.15
الأجهزة القابلة للارتداء تقوم بتسهيل إدارة وتحسين صحة الأفراد بشكل أفضل. يستعد القطاع الصحي للاستفادة من بيانات الأجهزة القابلة للارتداء لتحقيق نتائج أفضل وزيادة الكفاءات وتقليل التكاليف. فبالقليل من الجهد والمسؤولية الشخصية مثل ارتداء هذه الأجهزة يمكن للأفراد في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية المساهمة في جعل المملكة أكثر صحة لسنوات قادمة.
المراجع
1 https://www.fda.gov/medical-devices/digital-health-center-excellence/what-digital-health/
5 https://www.npjournal.org/article/S1555-4155(18)31275-3/pdf/
7 https://www.natlawreview.com/article/future-digital-healthcare/
8 https://www.technologyreview.com/2021/06/09/1025889/wearable-ai-body-sensor-covid-chicago/
9 https://www.himss.org/resources/wearable-technology-applications-healthcare-literature-review/
10 https://www.himss.org/resources/wearable-technology-applications-healthcare-literature-review/
11 http://www.cornerstoneondemand.com/SOWP14/
14 https://gadgetsandwearables.com/2021/07/02/fitbit-blood-oxygen-saturation-ring/
15 https://www.himss.org/resources/wearable-technology-applications-healthcare-literature-review